[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عندما نريد أن تحدث عن العلاج النفسي أو تعريفه فيمكن القول بأن العلاج
النفسي : هو ممارسة تهدف لعلاج الاضطرابات النفسية أو النفسية – الجسدية باستخدام
وسائل نفسانية. وهو يهدف إلى إقامة اتصال متميز (خصوصا" عن طريق الكلام) بين
المعالج وبين الشخص المعاني من اضطرابات تكيفية مع الواقع. ويستند هذا العلاج إلى
طرق ومبادئ نفسانية متنوعة بتنوع التيارات التحليلية والنفسانية التي شهدنا صراعها
وتنافسها منذ مطلع هذا القرن. وقد صدر حديثا" كتاب للدكتور محمد أحمد النابلسي حول
هذا الموضوع يحمل العنوان التالي: "مبادئ العلاج النفسي ومدارسه". وهو الثاني ضمن
سلسلة من الكتب التي تصدرها "دار النهضة العربية" في بيروت تحت عنوان " سلسلة
الكتاب النفسي ".
وهي سلسلة تتناول المواضيع الاختصاصية بأسلوب مبسط لا يبتعد،
على الرغم على سلالة الطرح، عن الرزانة العلمية، فيجمع الكتاب بذلك بين التخصص
والإيجاز من دون أن يفقد عمق المحتوى وسهولة الافهام.
يبدأ المؤلف
كتابه بفصل يتناول فيه العلاقة ( الحالية والتاريخية) بين الفلسفة وعلم النفس.
فيعود بهذه العلاقة إلى مدارس الإغريق الفلسفية ويتدرج في استعراضها مرورا"
بالفلاسفة العرب وفلاسفة القرون الوسطى، وصولا" إلى المعاصرين من الفلاسفة، وخصوصا"
أولئك الذين كانوا صلة الوصل بين التفكير الفلسفي والبحث النفسي.
والجدير بالذكر هنا أن المؤلف يتخذ مواقف محددة من التيارات الفلسفية
والنفسانية التي يعرضها. فهو يؤيد مثلا" تطبيق مدأ " الظواهرية في الطب النفسي "
(ص21) و "المبدأ التجريبي" لابن سينا (ص29) ومبادئ " بيار جانيه" P.Janet (ص 44)،
فيؤيد هذه النظرية في انتقاداتها وينصرها في خلافها مع بقية المدارس، حتى أنه يأخذ
موقفا" معاديا" من بعض المدارس المعاصرة وفي طليعتها مدرسة " جاك لاكان " J.Lacan
التحليلية. فهو يقول بصواب انتقاء "أي" عندما يرد على لاكان بقوله: " أن اللاوعي
ليس مبنيا" على نمط اللغة، ولكن تحوّل محتوياته إلى الوعي هو الذي يتشكّل في اللغة
" (ص 50).
وهكذا المؤلف لا يترك القارئ يهيم بين هذه المدرسة وتلك، بل
يتخذ موقفا" يساعد القارئ في فهم مجمل المبادئ النفسانية والفلسفية، وذلك انطلاقا"
من ممارسته النظرية ( في البحث والتأليف) والعيادية (في معالجة المرضى). ونلاحظ هذا
التمايز ذاته في الفصل الثاني. إذ يعتمد المؤلف تقديم تصنيف وافٍ للمدارس النفسية
العلاجية، فلا يكتفي بعرض التصنيفات المعتمدة في مختلف التيارات العلمية، بل يقترح
تصنيفا" جديدا" ينسجم على الأخص مع تصنيف " هنري اي " فيقسم فصول الكتاب التالية
بناء على تصنيفه الذي يلائم الظروف المعاصرة على أفضل وجه.
وإذا
اعتبرنا أن الفصلين الأولين من الكتاب بمثابة مقدمة نظرية فان هذه النظرية ليست سوى
مدخل أساسي يتيح للمؤلف معالجة موضوع كتابه معالجة صحيحة ومباشرة. فالفصل الثالث
يتناول " التحليل النفسي ومدارسه " وعلى رغم تباين الآراء والمواقف في هذا الميدان،
يحاول المؤلف أن يقدم بعمق وإيجاز القاعدة الأساسية التي بنى عليها، فيعالج
المنطلقات والأسس النظرية للتحليل النفسي، من حيث المنظور الفلسفي، والمنظور
الفرويدي، والمنظور الوظيفي التحليلي، ثم يعرض للطريقة العلاجية التحليلية التي
تعتمد على التداعي الحر، والانتباه الدائم، والحياد، والأحلام، كل ذلك في سبيل سبر
أغوار اللاوعي والوصول إلى تحليل الاضطرابات الانسانية، وأخيرا"، يقدم المؤلف في
هذا الفصل لمحة سريعة عن المدارس التي تفرعت عن التحليل النفسي، وأهمها "مدرسة
يونغ" و " مدرسة ادلر" و "مدرسة لاكان".
والملف لا يقحم ميوله العلاجية
والنظرية في هذا الفصل، بل يحافظ على موضوعية عرضه للتيارات التحليلية على اختلاف
آرائها وتعدد ناقديها. فهو بعد أن يقدم في الفصلين الأولين وجهة نظره الرئيسية،
يترك في هذا الفصل للقارئ مهمة التمييز بين المدارس العلاجية والحكم على صلاحية
استخداماتها العيادية. على رغم أنه يعتقد في أماكن عديدة من الكتاب بأهمية الطروحات
النظرية لفرويد ويونغ وسوندي وغيرهم، كما يعتقد بعدم جدوى النظرة البنيوية
اللاكانية على الصعيد التحليلي العلاجي.
لكن " التحليل" ليس كل شيء في
العلاج النفسي فالمؤلف يعرض في الفصل الرابع لما يسميه " المدارس الايحائية" وهي :
التنويم المغناطيسي، الايحاء المدعوم Suggestion Amee (دوائيا" وعقائديا")،
الاسترخاء، الحلم الموجه، الأثر الرجعي، الايحاء تحت تأثير العقاقير.
يقتصر
حديث المؤلف في هذا الفصل على المبادئ التقنية لهذه العلاجات، دون أن يطرح مواقفه
الشخصية منها. ويخرج القارئ بانطباع مفاده أن "العلاج النفسي عامة، والايحاء بصورة
خاصة، يرتبط أول ما يرتبط قدرتنا على فهم أولويات عمل الدماغ، فكلما ازدادت معرفتنا
بهذه الأولويات أدى ذلك إلى تعميق قدرات المعالج النفسي وإلى تخليه عن المبادئ
العلاجية التي تصبح قديمة لأنها لا تستخدم هذه المغرفة. وهذه النظرية تعتبر اليوم
بمنزلة الموقف المحافظ والمعارض للعديد من الفلسفات العلاجية المعاصرة، وخصوصا" تلك
المعتمدة مبادئ القدرات النفسية الخارقة". فهذه الأخيرة تدعو إلى عدم انتظار حلول
الاحجيات الدماغية والى التعجيل في تدريب الانسان على استخدام قواه الخارقة وقدراته
التي لم يتوصل العلم إلى تحديدها بالشكل الكافي. والواقع أن المؤلف يوفق هنا بين
موقفين يتناقضان ظاهرا" ويتكاملان واقعا". وهما الموقف الايماني ( في مختلف
الاديان) الذي يعتمد على الدين في العلاج، والموقف الفيزيولوجي – الدماغي، الذي
يقوم على الدراسة العلمية الموضوعية.
أما الفصل الخامس فيتناول " مدارس
العلاج الفردي"، وهي: التحليل الوجودي، العلاج غير الموجه، العلاج قصير الأمد،
طريقة فرانكل، العلاج السلوكي. ولا يكتفي المؤلف هنا بعرض هذه المدارس وتعريفها، بل
يتعدى ذلك إلى تقديم مواقفه الفكرية والعلاجية من كل منها. فهو يعارض العلاج
السلوكي معارضة واضحة، فيبيّن مثالبة ويحذر من مغة استخدامه (ص173)، وهو يتحمّس
للتحليل الوجودي، كما أنه لا يخفي تأثره بمدرسة بودابست العلاجية. ويأتي"العلاج
النفسي الجماعي" ليكون مادة الفصل السادس من الكتاب. وهو ينقسم إلى الابواب
التالية: علاج المجموعة، السيكودراما، العلاج العائلي، العلاج الاجتماعي، العلاج
النفسي – الجسدي، العلاج الابداعي. وما يلفت الانتباه في هذا الفصل، بالاضافة إلى
التعريفات التي يعطيها المؤلف لكل طريقة علاجية، الجدول الذي يقارن بين خصائص مختلف
مدارس العلاج الجماعي (ص182)، ويتناول خصائص كل طريقة من حيث ترداد عدد الجلسات
ومدة العلاج ومضمون العلاج والموقف من النقلة والتبعية والنشاط العلاجي والسيرورة
الأساسية للمجموعة والأهداف العلاجية ومجالات الاستعمال.
والملاحظ أن
طرق العلاج الجماعي لا يمكن أن تكون العلاج النفسي الأساسي، إنما هي علاج مساعد
يدعم المريض في علاقاته العائلية، أو في علاقاته مع الناس، من دون أن يحل اشكالات
صراعه الذاتي – الداخلي.
أما الفصل السابع، فيخصصه المؤلف لموضوع " العلاج
النفسي الذاتي". وفيه يطرح المسائل التالية: الاسترخاء الذاتي، الضغط بالأصابع،
التحليل الذاتي، العلاج السلوكي الذاتي. فيقدم الوسائل التي تستخدمها كل مدرسة في
التحليل الذاتي، ويشرح التمارين التي تتبعها. ورغم أن هذه التمارين صعبة التطبيق
ومملة في البداية، فإن المؤلف لا ينكر الارتياح النفسي الذي تقدمه لمن يمارسها.
ولا بد لمن يتطرق إلى العلاج النفسي من أن يعالج موضوع الدواء. فالمؤلف يرى
في الفصل الثامن "العلاج النفسي الدوائي"، أن الدواء سلاح ذو حدين. وبعد أن يعرض
لتصنيف الأدوية النفسية ويحذر من خطورة استعمالها في غير محلها، يتناول موضوع "
الوصفة الدوائية النفسية" فيحدد حالات استعمالها من وجهات ثلاث: منظار الطبيب،
زمنظار المريض، ونوعية الدواء. والجديد في هذا الفصل موضوع " العلاج الدوائي
والنقلة المضادة " وهو من المواضيع التي لم تسبق مناقشتها باللغة العربية – على حدّ
علمنا. وفي هذا المجال يقف المؤلف إلى جانب القائلين بوجوب " النقلة المضادة" في
سيرورة العلاج الدوائي.
أما الفصل التاسع والأخير، فيعالج موضوع " العلاج
النفسي بين النظرية والتطبيق " مناقشا" الاشكالية في صفحات قليلة، على رغم جدوى
الأفكار المركزة التي يقدمها. وليس هذا، الفصل، في رأينا، إلا نافذة تسمح للقارئ
باطلالة على مسألة الربط بين النظرية النفسية والعلاج العيادي. وكنا نتمنى لو أن
المؤلف دعم آراءه بحالات عيادية محددة، فالخطورة بين نظريات العلاج وتطبيقه هي في
نظرنا أصعب ما في الممارسة العيادية وأخطرها، خصوصا" وأن المؤلف طبيب وباحث في الآن
ذاته، يمارس العلاج النفسي في عيادته، ويرأس " مركز الدراسات النفسية " الذي يعنى
بتقديم الفكر النفسي إلى القارئ العربي بمنهجية جديدة وأسلوب حديث. وسبق للمؤلف أن
أصدر سلسلتي " علم نفس الطفل " و "السيكوسوماتيك " كما أصدر " سلسلة الثقافة
النفسية "التي تعنى بترجمة أحدث التيارات النفسية المعاصرة وأشهرها، وإذا اطلعنا
على هذه الاصدارات المترجم منها والمؤلف نجدها تجاوزت مبدأ التعريف والتبسيط إلى
مبدأ الاختصاص والأكاديمية، وهي تمتاز عن غيرها من الكتب التي تضمها رفوف المكتبات
العربية بكونها تأخذ طابع " بناء علم نفس عربي موحد " وفي هذا دعم وتعزيز للمكتبة
العلمية العربية وكذلك للفكر العربي الموحد.
لقد كانت هذه أطروحة الدكتور
محمد أحمد النابلسي في تبين مبدئ العلاج النفسي وتبين لمدارسه جمعها في كتابة
المذكور لتكون مادة علمية فريدة بين يدي القارئ الكريم
.