بغدادُ يا دمعةً باتتْ أداريهـــــــــــــــــــا
تبكي لحالي وما ألقى وأبكيهــــــــــــــــا
وأغرفُ السُّهدَ من ليلي وأطعمهــــــــــا
ومن فؤادي مناحاتٍ وأسقيهــــــــــــــــا
وأسألُ الدوحَ : ما فعلَتْ مطوقــــــــــــةٌ
قد طُوقتْ وغدتْ في كفِّ راميهـــــــــا
هل الرُّصافةُ تدري بالمَها نفـــــــــــرتْ
عنها وما دارةٌ بالكرخِ تؤويهــــــــــــا ؟
ما عادَ في شطها تلهو مراكبُهـــــــــــــا
ولا على موجِها تزهو ملاهيهـــــــــــــا
سألتُ عن روضِها الآتينَ من بلــدي ؟
فكانَ رائدُهم يبكي ويَرويهــــــــــــــا :
ما راحَ بلبلُها الهيمان يطربُـــــــــــــــــهُ
إلا وأوّهَهُ بالحزنِ تأويهـــــــــــــــــــــا
بغدادُ ! يا جبهةَ الدنيا وغرتَهــــــــــــــا
نفسي الفداءُ ليومٍ في مغانيهــــــــــــــــا
واللهِ ما سكنتْ روحي بغربتِهـــــــــــــا
يوماً ولا ليلةً في غيرِ (طاريهـــــــــــا)
اللهُ ! كم خفقتْ في الصدرِ أجنحـــــــةٌ
أدمتْ قوادمَها حمّى خوافيهــــــــــــــــا
ولَجَّ في كلَفٍ قلبٌ وأضلعُــــــــــــــــــهُ
من طولِ ما خفقتْ أحفتْ حوافيهــــــا
إني لأجلسُ في تطوانَ آمنـــــــــــــــــةً
نفسي ولكنّما الذكرى تناجيهـــــــــــــــا
كيف المقام بأرضٍ لست أعرفهـــــــــا
أمشي وتنكرني أحجار واديهــــــــــــــا
لمِّي الأثاثَ وبيعيهِ بلا ثمــــــــــــــــــنٍ
روحي إلى أرضِها قد ضَجَّ حاديهــــــا
من للأراملِ ضاعتْ في حمى بلــدي ؟
ودمعةِ اليُتمِ من يُشكي بواكيهـــــــــــا ؟
من للسجينِ يقاسي القيدَ من زمــــــنٍ ؟
من للشريدِ مضاعاً في نواحيهـــــــــا ؟
من للجريحِ وقد عزّتْ ضمادتُـــــــــهُ ؟
من للضحايا تنادي في حواريهــــــــا ؟
من للفقيرِ وللجوعان ؟ من لهمــــــــا ؟
كيف السبيلُ وحاميها حراميهــــــــــا ؟
في أرضِنا اليومَ آهاتٌ وأدعيــــــــــــةٌ
وأدمعٌ لا تني تجري مآقيهـــــــــــــــــا
لو أنّ بعضَ دعاوى الناسِ قد سُمعتْ
لدمَّرَ اللهُ ما فيها ومن فيهــــــــــــــــــا
هذا وإخوانُنا من الخليجِ إلى الـــــــــــ
محيطِ يا قومٍ حاضرَها وباديهــــــــــا
كأنّ بغدادَ لا تعنيهمو أبــــــــــــــــداً !
ولا العراقُ ولا منهم أهاليهــــــــــــا !
كأنّ بغدادَ ما كانتْ أوائلُهــــــــــــــــــا
ولا أواخرُها عوناً لمُقويهــــــــــــــــــا
كأنها لم تكنْ قطبَ الوجــــــــــــودِ ولا
يوماً بها دارتِ الأفلاكُ تنويهــــــــــــا
كأنها لم تكنْ غيثاً سحابتُــــــــــــــــــهُ
كانَ الرشيدُ إذا مرّتْ يناجيهـــــــــــا :
"لا تُمطري ههنا أو أمطري إنمـــــــا
خيراتكِ حيثُما حلتْ سنَجبيهـــــــــــــا"
حالَ الزمانُ وما زالتْ عوارفُهــــــــا
آناً فآناً إلى الراجينَ تؤتيهـــــــــــــــــا
واللهِ ما نسيتْ أسوانَ في عــــــــــــدةٍ
ولا جنينَ وقد عادتْ عواديهــــــــــــا
لنا لبغدادَ للفرسانِ صائلــــــــــــــــــةً
فيها شواخصُ تَروي عزَّ ماضيهـــــا
واسألْ بغزةَ عن بغدادَ كيفَ قضـــتْ
رغمَ النوائبِ إلا أن تواسيهــــــــــــــا
قامتْ على جُرحها تمشي مكابــــرةً
كيما توفّي عهوداً قلَّ مُوفيهـــــــــــــا
بغدادُ ! ما أنتِ؟ ما هذا الشموخُ؟ وما
سرُّ العطاءِ وقد جفَّتْ سواقيهــــــا ؟!
وخانكِ القومُ والأيامُ مدبــــــــــــــــرةٌ
وما دروا أننا يوماً سنلويهــــــــــــــــا
راحوا لطهرانَ حبواً دونما خجــــــــلٍ
واصطفّ خالدُهمْ في صفِّ راشيهــــا
واللهِ لن تفلحوا ما دامَ مرشدُكـــــــــمْ
من كانَ عائشةً بالرجسِ يرميهـــــــا
لا أرشدَ اللهُ من سبَّ الصحابَ ومـنْ
قال : "الإمامةُ أصلُ الدينِ" يَفريهــــا
كلا .. ومن حاربَ التوحيدَ في صلفِ
وعطّلَ الآيَ بـ(الآياتِ) تمويهــــــــــا
يا قومُ ! هذي جيوشُ الفرسِ قد ذبحتْ
بغدادَ ! أم لم تروا منْ ذُبِّحوا فيهــا ؟!
حقاً لقد عمِيتْ أبصارْكمْ وغـــــــــدتْ
أسماعُكم حجراً ، ما نفعُ مُصغيهـــا ؟
بلى ستشرقُ أقماري وإن غربـــــــت
وتنجلي غمةٌ كنا نُقاسيهــــــــــــــــــــا
ويُظْهِرُ الموجُ عندَ الفجرِ أشرعتـــــي
يوماً وإن بعِدتْ عنا مراسيهـــــــــــــا
بغدادُ لا تزعلي واللهِ ما رضِيَـــــــــتْ
نفسي البعادَ لأمرٍ عنكِ يُلهيهــــــــــــــا
لولا انتظاري لغاياتٍ أحققُهــــــــــــــــا
لم أحتمل غربةً طالت لياليهـــــــــــــــا
كلا .. ولولا مخافي اللهَ أرقُبُـــــــــــــهُ
لعفتُ في غربتي الدنيا وما فيهــــــــــا
وعجتُ في لهَفٍ أهوي إلى بلـــــــــدي
حتى يلامسَ جلدي تُربَ ناديهــــــــــا
لكنَّما قصةٌ في الآيِ منزلـــــــــــــــــةٌ
ما زالَ قارئُها يتلو ويُقريهــــــــــــــــا
ذو النونِ والرِّحلةُ المذمومُ سالكُهــــــا
والحوتُ ينتظرُ الباغي يُحاكيهــــــــــا
هي التي كلما ندّتْ مغاضبـــــــــــــــةً
نهَيتُها فانتهتْ نفسي لناهيهـــــــــــــــا
يا صاحبي في الهوى العذريِّ موعدةً
منكم إلينا ولو بالوهمِ تزجيهـــــــــــــا
هل لي إلى حيّنا من عودةٍ ؟ وإلـــــى
ملاعبٍ في الصبا كنا نواتيهـــــــــــا
ورفقةٍ في حنايا الصدرِ قد سكنَــــتْ
يا ربِّ رحماكَ بي أن لا أُلاقيهـــــــا