البيت الدمشقي و مفرداته :
حرص المعماري الدمشقي على أن يكون البيت جنة لساكنيه وملاذه الآمن بعيداً عن فضول الاخرين، وضجيج الشوارع وتلوث البيئة, كما حرص على التكيف مع العوامل المناخية الخارجية .
عند الدخول إلى البيت الدمشقي لابد من الانحناء للدخول من الباب الصغير والذي يتكون عادة من مصراع واحد أبدع الفنان السوري في التفنن بزخرفته ، سواء كانت هذه الزخرفة منفذة بالخشب أو الحديد، وتعقد فتحة الباب في أعلاها بقوس مستقيمة وهي الأكثر شيوعاً، ثم لابد من المسير عبر دهليز ضيق وطويل يقودك إلى الجنة الغناء القابعة بين أسوار البيت، و الدخول إلى الباحة الواسعة ( أرض الديار ) المرصوفة من حجر أبيض وأسود، مشغولة بذوق وفن بديع، وهذه الفسقية ( البحرةالكبيرة ) في الوسط تكسو جدرانها الخارجية ألواح من الرخام مختلفة الألوان مترعة إلى الحواف بمائها الصافي .
يتميز المنزل الدمشقي بغرف عالية السقوف تسمى القاعة وهي مزينة بالخشب الملون مع زخارف هندسية أو نباتية معظمها بشكل بارز بفعل عجائن ملونة أومذهبة وقد حددت بشكل تبدو فيه لوحة فنية رائعة , بعض هذه السقوف تحوي فسقيات رخامية وسيلان مياه جدارية تسمى السلسبيل، أما النوافذ والأبواب فتحيط بها إطارات حجرية مزخرفة تفتح الصالة المرتفعة على إيوان مرتفع غني بالزخارف كما ينفتح الايوان بدوره على الباحة الرئيسية .
الإيوان : هو غرفة دون جدار رابع تنفتح على الفناء ولها قنطرة تسمى تاج الايوان، مزينة بإطار من الحجر الابلق وهو حجر مزخرف بطريقة الحفر مع تشكيلة بزخارف هندسية.
يعلو سقف الايوان زخارف خشبية ملونة تسمى العجمي كما ترتفع أرض الايوان عن مستوى أرض الفناء بما يعادل 40 سم , وعلى الجانبين توضع المشاكي والمشكاة هي محراب صغير يوضع فيه المصباح النحاسي القديم والمزخرف والمطعم بالفضة في بعض الاحيان.
إن غرف الطابق الأرضي أعلى من مستوى الفناء وذلك لتفادي تيارات الهواء البارد والتي تتسرب من الأماكن المنخفضة عبر الغرف وهي بمثابة مصدات للهواء , خصص الطابق العلوي للمبيت والنوم، جميع الغرف تطل على فناء الدار.
وأول ما يلفت النظر في الأحياء الدمشقية القديمة، تلك الجدران العالية والشبابيك المزخرفة ، والأبواب الخشبية التي لم يزدها التقادم إلا شموخا ومهابة , حيث البيوت العتيقة متكئة على بعضها البعض، وكأنها تروي علاقات أهل الشام الأصيلة والجميلة والحميمة .
زود غرف الطابق الأرضي بالعتبة التي غالباً ما تصمم فيها فسقية ماء وسلسبيل في أحد الجدران المصنوعة من الرخام الملون الجذاب يسيل عليه الماء أيضاً، وذلك لأن غرف الطابق الأرضي جعلت لتأتلف مع الصيف، بينما جعلت غرف الطابق العلوي بعيدة عن الرطوبة، وأكثر تعرضاً لأشعة الشمس
وقد صمم البيت الدمشقي بما يسمح بدخول النور من الواجهات الثلاث حسب دوران الشمس، خاصة الليوان الذي لاتنقطع عنه أشعة الشمس إلا في المغيب.
وفي البيت الدمشقي ، غالباً هناك قبو معد للمؤونة فتكون رطوبته حافظا لها.
وتبقى هندسة البيت الدمشقي من الداخل وتقسيماته الكثيرة المنفذة بإتقان تثير الدهشة وتتأثر بفلسفة خاصة توائم بين وظائف العمارة والمناخ من جهة، وبين جملة المفاهيم الخاصة عن العائلة والمرأة والحياة الاجتماعية بما يتوافق مع العادات والتقاليد الاسلامية من جهة أخرى،
أما مفردات المطبخ فى البيت الشامى المدخنة والموقد ومكان تخزين الحبوب وبيت المونة السقيفة ويجد فى اسفل الدرج او فى اسفل الجدران الداكونة الخرستانة.
و هذه نماذج لبعض البيوت العربية و الذي يتوضح فيه كل العناصر السابقة التي تم ذكرها ضمن البيت الشامي : الدهليز الطويل , الباحة , الإيوان , القاعة , قسم خاص للمطبخ , و غرف المنامة تكون في الطابق الأول
أثر البيئة على العمارة العربية الدمشقية و مقارنتها مع العمارة الأوربية :
إن العمارة العربية تفاعلت مع الـشروط البيئية لمنطقة المتوسط تارة والصحراء تارة أخرى، أو بالأحرى لمزيج من هذين التأثيرين ، وكانت في معظم الأحيان في تفاعل متناغم مع هاتين البيئتين .
كي نفهم هذه التأثيرات على الحجم والتصميم ومدى إجابة تلك العمارة على معطيات البيئـة لا بد من عقد مقارنة مبسطة بين الشروط والمعطيات البيئية للمنطقة العربية والمعطيات البيئية للمنطقة الأوربية ذات المناخ القاري ، وذلك من حيث التشميس والحرارة والرطوبة بشكل خاص ثم نحاول أن نستشف مدى استجابة كل من العمارة العربية والأوربية ومدى انسجامها مع معطيات وشروط البيئة الحاضة بكل منها
المنطقة العربية ( الشكل -1-)
- المناخ معتدل شتاءً وحار صيفاً (حار جداً في المناطق الصحراوية).
- مدة السطوع طويلة وزوايا التشميس شبه عمودية في الصيف ومتوسطة الارتفاع في الشتاء.
- الرطوبة منخفضة عموماً والمناخ جاف جداً في فترة الصيف
- التخلص من الحرارة الزائدة صيفاً .
- الحماية من أشعة الشمس صيفاً .
- الاستفادة من التشميس شتاءً
- رفع الرطوبة وخاصة في الصيف في المناطق الجافة
- الاستفادة من حركة الرياح للتهوية
- الاستفادة من الإشعاع الشمسي من خلال الواجهات شتاءً .
- العزل صيفا بواسطة الأسقف السميكة .
- التخلص من الحرارة بالإشعاع الذاتي ليلاً خلال فترة الصيف ( زاوية واسعة – سماء صافية ).
- خلق جو مناسب في الفناء الداخلي والفتح عليه ( التحكم بالتشميس والرطوبة والتهوية).
- الارتباط أكثر بالأرض ( الاستفادة من رطوبة الأرض وموازنة الحرارة بالاستفادة من استقرار حرارة الأرض ).
- الحماية من الرياح المحملة بالرمال وخاصة في المناطق الصحراوية .
- الاستفادة من حركة الهواء للتهوية .
المنطقة الأوربية ( الشكل -2- )
- المناخ معتدل صيفاً وبارد في الشتاء .
- مدة السطوع قصيرة شتاءً وزوايا التشميس منخفضة .
- الرطوبة مرتفعة وخاصة في الشتاء
- الحاجة للحرارة وخاصة في الشتاء
- تخفيف الضياع الحراري .
- التقاط التشميس .
- تخفيض الرطوبة العالية .
- الحماية من العواصف والرياح الشديدة
- الاستفادة من التشميس من خلال الواجهات بسبب انخفاض زوايا التشميس .
تخفيف الضياع الحراري الناتج عن الإشعاع الذاتي ( زاوية صغيرة – إشعاع متبادل )
- العزل عن الأرض وتخفيف الاتصال بها بسبب الرطوبة الزائدة وضياع الحرارة .
- تقليل الاتصال بالخارج لتخفيف الضياعات الحرارية والحماية من أثر العواصف .
لم تأخذ حجوم الأبنية في العمارة العربية شكل الكتلة القريبة من المكعب أو متوازي المستطيلات وهو الشكل الأكثر انتشاراً في المناطق القارية الباردة أي المناطق الواقعة على خطوط العرض المرتفعة ، بل أحذت الشكل الأفقي المنفتح نحو الداخل . الأشكال : (1) و (2)
من خلال ما تقدم يمكننا القول دون الكثير من التحفظ إن هذا الشكل من البناء الأفقي المنفتح نحو الداخل ، والأكثر انتشاراً في المنطقة العربية لم يكن كذلك بسبب التقاليد والعادات ( أي الشروط الاجتماعية ) ، بل سببه الأساسي و الأولي هو الشروط البيئية وضرورة التفاعل والانسجام مع معطياتها .( قد يكون هذا الشكل هو الذي أثر لاحقاً على الصيغة الحياتية والاجتماعية ، و من خلال ذلك على التقاليد والعادات الخاصة بهذا المجتمع ).
أما من جهة التصميم الوظيفي للبناء فنلاحظ أن تصميم البيت العربي ، أو أي منشأة أخرى ، لم يكن يعتمد على العلاقة الوظيفية بين مختلف وظائف الفراغات الاستعمالية للبناء ، بل كان يعتمد بشكل أساسي على وضع الفراغ بالنسبة للشروط البيئية ( صيفي – شتوي ، مشمس – مظلل ، حار – بارد ، مهوى – محمي ، جاف – رطب ، …). ومن المحتم أن ذلك المفهوم قد أثر على الصيغة الحياتية والاجتماعية والاستعمالية للبيت :
ــ التنقل اليومي والموسمي ،
ــ الاستعمال المتنوع للفراغ ،
ــ مفهوم الخاص والعام للفراغات الاستعمالية المختلفة .
لم نتطرق في هذا الاستعراض العام والمختصر ، لكامل الخصائص والعناصر المعمارية في عمارتنا العربية ، كأشكال الفتحات وحمايتها ومواد البناء والاكساء واستعمال السطوح المائية والنباتات ، والتي تشكل إجابة كاملة على شروط البيئة ومعطياتها .