الكعبة هي بيت الله الحرام ، وقبلة المسلمين ، جعلها الله سبحانه وتعالى
مناراً للتوحيد ، ورمزا للعبادة ، يقول الله تعالى : { جعل الله الكعبة
البيت الحرام قياما للناس} ( المائدة97) ، وهي أول بيت وضع للناس من أجل
عبادة الله جل وعلا ، قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا
وهدى للعالمين} ( آل عمران96) .
وللكعبة المشرفة تاريخ طويل ، مرت
فيه بمراحل عديدة ، ويبتدأ تاريخها في عهد نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل -
عليهما السلام - حين أمره الله سبحانه وتعالى بأن يسكن مكة هو وأهله ،
وكانت مكة في ذلك الوقت جدباء قاحلة .
وبعد الاستقرار في مكة وبلوغ
إسماعيل - عليه السلام - أذن الله تعالى لهما ببناء الكعبة ، ورفع قواعدها ،
يقول الله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا
تقبل منا } ( البقرة127) ، فجعل إسماعيل - عليه السلام - يأتي بالحجارة و
إبراهيم يبني ، وارتفع البيت شيئا فشيئا ، حتى أصبح عاليا لا تصل إليه
الأيدي ، عندها جاء إسماعيل - عليه السلام - بحجر ليصعد عليه أبوه ويكمل
عمله ، واستمرا على ذلك وهما يقولان : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم} ( البقرة127) حتى تم البناء واستوى.
ثم استقرت بعض القبائل
العربية في مكة من "العماليق" و"جرهم" ، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة
نتيجة لكثرة السيول والعوامل المؤثرة في البناء ، وكان أفراد تلك القبيلتين
يتولون إصلاحها ، ورعايتها.
ومرت السنون ، حتى قامت قريش ببناء
الكعبة ، وذلك قبل البعثة بخمس سنين ، وكان بناء الكعبة آنذاك على هيئة
حجارة منضودة موضوعة بعضها فوق بعض من غير طين ، مما جعل السيول التي تجتاح
مكة بين الحين والآخر تؤثر على متانة الكعبة فأوهت بنيانها ، وصدعت
جدرانها ، حتى كادت أن تنهار ، فقررت قريش إعادة بناء الكعبة بناء متينا
يصمد أمام السيول ، ولما أجمعوا أمرهم على ذلك وقف فيهم أبو وهب بن عمرو
فقال : " يا معشر قريش ، لاتدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لايدخل
فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس" لكن قريشا تهيبت من
هدم الكعبة ، وخشيت أن يحل عليهم بذلك سخط الله ، فقال لهم الوليد بن
المغيرة : - أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وبدأ بالهدم وهو يقول :
اللهم لم نزغ ، ولا نريد إلا الخير ، فهدم من ناحية الركنين ، فترقب الناس
ليلتهم ليروا هل أصاب المغيرة شر بسبب ما فعل ؟ فلما رأوه يغدو عليهم لا
بأس به ، قامو إلى الكعبة فأكملوا هدمها ، حتى لم يبق منها إلا أساس
إبراهيم - عليه السلام - .
ثم تلى ذلك مرحلة البناء ، فتم تقسيم
العمل بين القبائل ، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة ، فجعلوا
يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين
قبائل قريش ، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه ، وكادوا أن
يقتتلوا فيما بينهم ، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم
أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام ،
فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم ، فإذا هو رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، وما
إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر فقال : ( هلمّ إلي ثوبا ) فأتوه به فوضع
الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا )
ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه ، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه.
ولما
كانت قريش قد عزمت على بناء الكعبة من حلال أموالها ، فقد جمعت لهذا الأمر
ما استطاعت ، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بالمال
الحلال الخالص ، ولهذا أخرجوا الحِْجر ( الحطيم ) من البناء ، ووضعوا علامة
تدل على أنه من الكعبة ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال لعائشة - رضي الله عنها : ( ألم تري أن قومك قصرت بهم
النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا
غربيا ، وأدخلت فيها الحجر ) .
ولما جاء عهد ابن الزبير - رضي الله
عنه - قرر أن يعيد بناء الكعبة على نحو ما أراد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في حياته ، فقام بهدمها ، وأعاد بناءها ، وزاد فيها ما قصرت عنه
نفقة قريش - وكان حوالي ستة أذرع - ، وزاد في ارتفاع الكعبة عشرة أذرع ،
وجعل لها بابين أحدهما من المشرق والآخر من المغرب ، يدخل الناس من باب
ويخرجون من الآخر ، وجعلها في غاية الحسن والبهاء ، فكانت على الوصف النبوي
كما أخبرته بذلك خالته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - .
وفي
عهد عبدالملك بن مروان كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إليه فيما صنعه ابن
الزبير في الكعبة ، وما أحدثه في البناء من زيادة ، وظن أنه فعل ذلك بالرأي
والاجتهاد ، فرد عليه عبدالملك بأن يعيدها كما كانت عليه من قبل ، فقام
الحجاج بهدم الحائط الشمالى وأخرج الحِجْر كما بنته قريش ، وجعل للكعبة
بابا واحد فقط ورفعه عاليا ، وسد الباب الآخر ، ثم لما بلغ عبدالملك بن
مروان حديث عائشة - رضي الله عنها ندم على ما فعل ، وقال : " وددنا أنا
تركناه وما تولى من ذلك" ، وأراد عبدالملك أن يعيدها على ما بناه ابن
الزبير ، فاستشار الإمام مالك في ذلك ، فنهاه خشية أن تذهب هيبة البيت ،
ويأتي كل ملك وينقض فعل من سبقه ، ويستبيح حرمة البيت .
وأما آخر
بناء للكعبة فكان في العصر العثماني سنة1040 للهجرة ، عندما اجتاحت مكة
سيول عارمة أغرقت المسجد الحرام ، حتى وصل ارتفاعها إلى القناديل المعلقة ،
مما سبب ضعف بناء الكعبة ، عندها أمر محمد علي باشا - والي مصر - مهندسين
مهرة ، وعمالاً يهدمون الكعبة ، ويعيدون بناءها ، واستمر البناء نصف سنة
كاملة ، وكلفهم ذلك أموالا باهظة ، حتى تم العمل ، ولازالت الكعبة شامخة ،
تهفو إليها قلوب المؤمنين ، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمره في آخر الزمان
بهدم الكعبة على أيدي الأحباش واستخراج كنز الكعبة ، وفي الجملة فإن الكعبة
لها تاريخ طويل مليء بالأحداث والعبر التي لابد لنا أن نعيها ونستفيد
منها.
مناراً للتوحيد ، ورمزا للعبادة ، يقول الله تعالى : { جعل الله الكعبة
البيت الحرام قياما للناس} ( المائدة97) ، وهي أول بيت وضع للناس من أجل
عبادة الله جل وعلا ، قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا
وهدى للعالمين} ( آل عمران96) .
وللكعبة المشرفة تاريخ طويل ، مرت
فيه بمراحل عديدة ، ويبتدأ تاريخها في عهد نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل -
عليهما السلام - حين أمره الله سبحانه وتعالى بأن يسكن مكة هو وأهله ،
وكانت مكة في ذلك الوقت جدباء قاحلة .
وبعد الاستقرار في مكة وبلوغ
إسماعيل - عليه السلام - أذن الله تعالى لهما ببناء الكعبة ، ورفع قواعدها ،
يقول الله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا
تقبل منا } ( البقرة127) ، فجعل إسماعيل - عليه السلام - يأتي بالحجارة و
إبراهيم يبني ، وارتفع البيت شيئا فشيئا ، حتى أصبح عاليا لا تصل إليه
الأيدي ، عندها جاء إسماعيل - عليه السلام - بحجر ليصعد عليه أبوه ويكمل
عمله ، واستمرا على ذلك وهما يقولان : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم} ( البقرة127) حتى تم البناء واستوى.
ثم استقرت بعض القبائل
العربية في مكة من "العماليق" و"جرهم" ، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة
نتيجة لكثرة السيول والعوامل المؤثرة في البناء ، وكان أفراد تلك القبيلتين
يتولون إصلاحها ، ورعايتها.
ومرت السنون ، حتى قامت قريش ببناء
الكعبة ، وذلك قبل البعثة بخمس سنين ، وكان بناء الكعبة آنذاك على هيئة
حجارة منضودة موضوعة بعضها فوق بعض من غير طين ، مما جعل السيول التي تجتاح
مكة بين الحين والآخر تؤثر على متانة الكعبة فأوهت بنيانها ، وصدعت
جدرانها ، حتى كادت أن تنهار ، فقررت قريش إعادة بناء الكعبة بناء متينا
يصمد أمام السيول ، ولما أجمعوا أمرهم على ذلك وقف فيهم أبو وهب بن عمرو
فقال : " يا معشر قريش ، لاتدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لايدخل
فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس" لكن قريشا تهيبت من
هدم الكعبة ، وخشيت أن يحل عليهم بذلك سخط الله ، فقال لهم الوليد بن
المغيرة : - أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وبدأ بالهدم وهو يقول :
اللهم لم نزغ ، ولا نريد إلا الخير ، فهدم من ناحية الركنين ، فترقب الناس
ليلتهم ليروا هل أصاب المغيرة شر بسبب ما فعل ؟ فلما رأوه يغدو عليهم لا
بأس به ، قامو إلى الكعبة فأكملوا هدمها ، حتى لم يبق منها إلا أساس
إبراهيم - عليه السلام - .
ثم تلى ذلك مرحلة البناء ، فتم تقسيم
العمل بين القبائل ، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة ، فجعلوا
يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين
قبائل قريش ، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه ، وكادوا أن
يقتتلوا فيما بينهم ، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم
أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام ،
فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم ، فإذا هو رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، وما
إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر فقال : ( هلمّ إلي ثوبا ) فأتوه به فوضع
الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا )
ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه ، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه.
ولما
كانت قريش قد عزمت على بناء الكعبة من حلال أموالها ، فقد جمعت لهذا الأمر
ما استطاعت ، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بالمال
الحلال الخالص ، ولهذا أخرجوا الحِْجر ( الحطيم ) من البناء ، ووضعوا علامة
تدل على أنه من الكعبة ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال لعائشة - رضي الله عنها : ( ألم تري أن قومك قصرت بهم
النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا
غربيا ، وأدخلت فيها الحجر ) .
ولما جاء عهد ابن الزبير - رضي الله
عنه - قرر أن يعيد بناء الكعبة على نحو ما أراد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في حياته ، فقام بهدمها ، وأعاد بناءها ، وزاد فيها ما قصرت عنه
نفقة قريش - وكان حوالي ستة أذرع - ، وزاد في ارتفاع الكعبة عشرة أذرع ،
وجعل لها بابين أحدهما من المشرق والآخر من المغرب ، يدخل الناس من باب
ويخرجون من الآخر ، وجعلها في غاية الحسن والبهاء ، فكانت على الوصف النبوي
كما أخبرته بذلك خالته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - .
وفي
عهد عبدالملك بن مروان كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إليه فيما صنعه ابن
الزبير في الكعبة ، وما أحدثه في البناء من زيادة ، وظن أنه فعل ذلك بالرأي
والاجتهاد ، فرد عليه عبدالملك بأن يعيدها كما كانت عليه من قبل ، فقام
الحجاج بهدم الحائط الشمالى وأخرج الحِجْر كما بنته قريش ، وجعل للكعبة
بابا واحد فقط ورفعه عاليا ، وسد الباب الآخر ، ثم لما بلغ عبدالملك بن
مروان حديث عائشة - رضي الله عنها ندم على ما فعل ، وقال : " وددنا أنا
تركناه وما تولى من ذلك" ، وأراد عبدالملك أن يعيدها على ما بناه ابن
الزبير ، فاستشار الإمام مالك في ذلك ، فنهاه خشية أن تذهب هيبة البيت ،
ويأتي كل ملك وينقض فعل من سبقه ، ويستبيح حرمة البيت .
وأما آخر
بناء للكعبة فكان في العصر العثماني سنة1040 للهجرة ، عندما اجتاحت مكة
سيول عارمة أغرقت المسجد الحرام ، حتى وصل ارتفاعها إلى القناديل المعلقة ،
مما سبب ضعف بناء الكعبة ، عندها أمر محمد علي باشا - والي مصر - مهندسين
مهرة ، وعمالاً يهدمون الكعبة ، ويعيدون بناءها ، واستمر البناء نصف سنة
كاملة ، وكلفهم ذلك أموالا باهظة ، حتى تم العمل ، ولازالت الكعبة شامخة ،
تهفو إليها قلوب المؤمنين ، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمره في آخر الزمان
بهدم الكعبة على أيدي الأحباش واستخراج كنز الكعبة ، وفي الجملة فإن الكعبة
لها تاريخ طويل مليء بالأحداث والعبر التي لابد لنا أن نعيها ونستفيد
منها.