القصه
استيقظ الدكتور (مارك) صباح يوم الأربعاء ، كعادته ليتجه بعد الإفطار فوراً إلى عيادته . كان الدكتور (مارك) يسكن في فلة أنيقة في إحدى ضواحي لندن الراقية . غسل الدكتور (مارك) وجهه و استبدل ملابسه ونزل بخطوات سريعة من على السلم و سار مباشرة إلى غرفة الطعام حيث قابلته زوجته وابنه (جورج) الذي يعمل معه في العيادة .
(( صباح الخير ))
قالتها زوجته السيدة (إيملي) .
رد عليها:
- صباح النور ، لقد استيقظت اليوم مبكراً ، لم أعتد منك هذا من قبل .
ثم استطرد قائلاً:
- كيف حالك يا (جورج) ، تناول طعامك جيداً فاليوم لدينا عمل كثير في العيادة ، و مازال عليك الكثير لتتعلم كيفية إدارة العيادة كما أنه لم يمض على تخرجك من كلية الطب سوى سنتين فقط وخبرتك قليلة جداً في هذا المجال يا بني .
تطلع الدكتور (جورج) في وجه أبيه و على شفتيه ابتسامة باهتة وقال :
-إنك دائماً عجول يا والدي تريدني أن أتعلم كل شيء في عدة دقائق كما لو أني كمبيوتر تخزن فيه بعض البرامج ، كما أنك تعاملني بطريقة تجعلني أشعر بأنني طفل صغير ولست طبيب عظام يعمل في إحدى أفضل العيادات الموجودة في لندن .
ابتسمت (إيملي) لحديث ابنها ولم تعلق عليه و لكنما تحدثت لتغير الموضوع قائلة :
- هيا بسرعة الطعام سيبرد .
فهم الدكتور (مارك) وكذلك ابنه الدكتور (جورج) ما تقصده (إيملي) فشرعا بتناول الطعام ، وران صمت على قاعة الطعام قبل أن يقطع (جورج) هذا الصمت و هو يسأل والده :
- ماذا كان يريد الدكتور (شارل) منك عندما اتصل بك الليلة الماضية؟
أجابه والده الدكتور (مارك) :
- من…تقصد شريكي…. لاشيء مهم إنه يريد كعادته إقناعي ببيع حصتي من العيادة له .
تمتمت (إيملي) :
- أمره غريب هذا الطبيب…طوال اليوم معك في العيادة و يتصل بك كأنما لا يراك أبداً .
ابتسم الدكتور (مارك) و هم بقول شيء لكن ابنه سبقه بسؤاله :
- و ماذا عن ذلك المزارع العجوز (جيمي) الذي يعمل في المزرعة لقد طلبك ليلة أمس أيضاً ، فما كان يريد؟
رمق الدكتور (مارك) ابنه (جورج) بنظرة تعجب قبل أن يجيب :
- لقد طلب مني إعطاءه بعض المال ليشتري به بعض الأزهار و النبات الصغيرة لحديقة العيادة . لكن يبدو أنك أصبحت فضولياً يا (جورج) ، لم تكن كذلك قبلاً ، ما الذي أصابك؟ .
أجابه ابنه وهو يتناول الطعام :
- الأعوام…الأعوام!!! يا أبي تغير من طبع الإنسان فتجعل الأحمق ذكياً والمتكبر متواضع و…
قاطعته أمه بغتة وهي تشير بسبابتها أمام وجهه :
- هيا…لا داع لهذه المحاضرة الطويلة في علم النفس ، تناول طعامك حتى تصحب والدك إلى العيادة ، عليكما ألا تتأخرا أبداً عنها.
تأمل (جورج) أمه قليلاً ثم تابع تناول طعامه ، ولما فرغ هو مع والده من فطورهما استودعا من (إملي) واتجهها خارج الفلة إلى الحديقة الخارجية حيث رآهما مزارع الفلة وهتف:
- هل أنتما ذاهبان إلى العيادة ؟……مع السلامة .
التفت إليه الدكتور (مارك) و رد عليه :
- إلى اللقاء يا (هنري)
و ركبا السيارة ثم غادرا الفلة ، وتوجها إلى العيادة .
دخل جراح القلب الدكتور (شارل) العيادة و هو يمشي بخطوات معتدلة إلى مكتبه ، ثم ألقى نظرة على ساعة يده و التفت إلى الممرضة (ميري) وهو يقول :
- يبدوا أن الدكتور (مارك) قد تأخر هذا اليوم يا (ميري) ، أ ليس كذلك؟ .
أجابته وقد بدا عليها التوتر :
- آه…بلى ، هذا صحيح يا دكتور (شارل) لكنه سيحضر فوراً .
رمقها الدكتور (شارل) بنظرة متعجبة و هي قد بدا عليها التوتر وبيدها شيء ، فسألها :
- ما الذي تحمليه في يدك يا (ميري)؟ .
نظرت إليه و أجابته بتوتر :
- آه…هذا الشيء…إنه…إنه مقص…لقد احتجته وجئت لمكتبك لآخذ واحد من هذه المقصات الموجودة هنا .
سألها الدكتور (شارل) و هو ينظر إليها نظرة استنكار ؟ .
- غريب…ألا يوجد في المخزن الكثير منها ؟
أجابته بسرعة :
- بلى ، لكن كنت مستعجلة جداً يا دكتور (شارل)…إني متأسفة جداً .
أشاح الدكتور (شارل) بوجهه عنها و هو يقول :
- حسناً ، لا بأس .
ثم انصرفت الممرضة (ميري) و أغلقت باب المكتب خلفها و تطلعت إلى ساعتها فتمتمت :
- هذا صحيح ، الدكتور (مارك) قد تأخر الـ….
وبترت عبارتها عندما سمعت صوت يقول لها :
- صباح الخير يا (ميري) .
التفتت إلى صاحب الصوت ، لقد كان الدكتور (مارك) نفسه ، فاعتدلت و ردت عليه:
- صباح النور ، ما بك يا دكتور (مارك) لقد تأخرت هذا الصباح قليلاً لم أعتد هذا منك .
أجابها وعلى شفتيه إبتسامة عريضة :
- إنه ابني (جورج)!!!لقد ألقى علينا اليوم محاضرة طويلة صباح هذا اليوم .
قالت له :
- الدكتور (شارل) ينتظرك .
أجابها :
- كنت سأتجه إليه الآن .
ثم سار بخطوات سريعة إلى مكتب الدكتور (شارل) شريكه في العيادة وطرق الباب فسمع صوتاً يأذن له بالدخول فدخل و هتف :
- صباح الخير يا دكتور (شارل) ، يبدوا أنك لم تتخلى عن طبعك هذا إنك دائماً تصل إلى العيادة مبكراً جداً .
رمقه الدكتور (شارل) بنظرات باردة وبعد ذلك أجابه :
- هيا لا داع لهذه البالغة ، أنت الذي تصل متأخر .
قهقهة الدكتور (مارك) بصوت مرتفع و هو يقول :
- لا بد أنك طلبتني اليوم من أجل أن تطلب مني بيع حصتي من العيادة لك…ولكن لا تحاول يا دكتور (شارل) فلن أفعل هذا أبداً .
بدا التجهم على وجه الدكتور (شارل) ، ثم أطلق زفرة حارة و ابتسم قائلاً :
- إنك عنيد جداً يا دكتور(مارك) كعادتك ، و لا توجد قوة في الدنيا تجعلك تعدل عن رأيك .
ثم استطرد قائلاً :
- إننا لن تناقش بهذا الموضوع الآن فلدي اليوم عمل كثير فالعيادة غاصة بالمرضى هذا اليوم ، ثم إنني سأخرج اليوم مبكراً فعندي اليوم بعض المشاغل في المنزل .
وقف الدكتور (مارك) من على كرسيه و اتجه ناحية الباب و هو يقول :
- حتى أنا لدي اليوم الكثير من الأعمال بالإضافة إلى أنني سأجري عملية بعد ظهر هذا اليوم و أيضاً علي أن أعلم ابني (جورج) الكثير من الأمور المتعلقة بإدارة العيادة فهو لا يمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال .
أجابه الدكتور (شارل) بكل هدوء :
- أعلم ذلك جيداً .
و انصرف الدكتور (مارك) من المكتب وتابعه الدكتور (شارل) بنظراته الصارمة ، ثم لم يلبث أن تحرك من مقعده بسرعة لمتابعة أعماله .
* * *
في الساعة الرابعة عصراً حزم الدكتور (شارل) حقيبته و اتجه إلى الباب المؤدي إلى خارج العيادة ليغادره و بجانبه كان يسير معه الدكتور (جورج) ابن الدكتور (مارك) فقال هذا الأخير :
- هل لديك مشاغل كثيرة يا دكتور (شارل) ؟ فأنت اليوم تغادر العيادة مبكراً !.
أجابه الدكتور (شارل) :
- نعم يا بني ، فأنا مرهق هذا اليوم و لن أ ستطيع مواصلة العمل فلقد بذلت جهداً كبيراً نهار هذا اليوم .
رد عليه الدكتور (جورج) :
- مع السلامة يا دكتور (شارل) ، إلى اللقاء غداً .
قالها و الدكتور (شار) كان قد غادر الباب و اتجه ناحية الموقف المخصص لسيارات العاملين في العيادة
وصلت الممرضة (ميري) و هي تلهث قائلةً للدكتور (جورج) :
- العمل اليوم مرهق جداً يا دكتور (جورج) فلم أتصور يوماً أن العيادة ستغص بالمرضى بهذه الكيفية .
ألقى عليها الدكتور (جورج) نظرة مشفقة وهي تكاد تسقط على الأرض من الإجهاد و قال :
- لا بأس لقد انتهى كل شيء يا آنسة .
أشاحت بوجهها وهي تتمتم :
- أجل لقد انتهى كل شيء .
و اتجهت إلى غرف الممرضات لحزم أغراضها استعداداً لمغادرة العيادة فقد انتهت فترة عملها . وبينما هي كذلك كان الدكتور (جورج) يتأمل الطريق عبر بوابة العيادة الزجاجية ثم قطع تأمله فجأة عندما سمع صراخ الممرضة (ميري) فانطلق يعدوا باتجاه مصدر صراخها وتبعه الكثير من الأطباء و الممرضات الذين يعملون في تلك العيادة وقد فوجئوا بذلك المنظر الذي رأوه أمامهم فلقد كان الدكتور (مارك) ملقياً على الأرض والدم ينزف من صدره وكان قد فارق الحياة .
* * *
وصل فريق من الشرطة إلى مسرح الجريمة وبصحبتهم المحقق (جيمس) حيث أمر هذا الأخير بترك كل شيء على حاله وعدم مس أي قطعة في مسرح الجريمة كما أمر باحتجاز جميع الموجودين في العيادة واتجه إلى إحدى الغرف الخالية وقال :
- من أنادي عليه فليحضر لأحقق معه ، وعلى فكرة هل وصل الدكتور (شارل) شريك الدكتور (مارك) في العيادة إلى هنا ؟
أجابه طبيب العظام الدكتور (جورج) ابن الدكتور (مارك) لقد اتصلت به ولكنه لم يصل إلى منزله بعد فطلبت من زوجته أن تعلمه بالمجيء إلى العيادة متى رأته يدخل المنزل .
صاح المحقق (جيمس) :
- كيف لم يصل بعد ؟ هل منزله بعيد جداً عن العيادة ؟
رد عليه الدكتور (جورج) :
- كلا . لكن يبدوا أنه لم يتجه إلى منزله مباشرة فور مغادرته العيادة .
هز المحقق رأسه برهة ثم نادى :
- (ميري روبن) .
كان وقع اسم (ميري) عليها كالصاعقة خاصة وقد كانت أعصابها منهارة بسبب ذلك المنظر الذي شاهدته أمام عينيها ألا وهو منظر الدكتور (مارك) صريعاً . ولكنها دخلت إلى الغرفة التي يقبع بها المحقق (جيمس) وبدأ باستجوابها .
المحقق (جيمس) : ماذا رأيت حين عبرت هذا الممر ؟
الممرضة (ميري) : لقد وجدت الدكتور (مارك) جثةً هامدة ملقياً على الأرض كما رأيت آثار أقدام موحلة عالقة في الممر ؟
المحقق (جيمس) : هل تعنين تلك الآثار ؟ إنها كما يبدوا تصل إلى نهاية الممر ، لقد شاهدتها أيضاً . لكن هل تعرفين صاحبها ؟
الممرضة (ميري) : لا لا …طبعاً لا أعرف صاحبها .
المحقق (جيمس) : هل تعرفين ماذا يوجد في نهاية الممر ؟
الممرضة (ميري) : نعم . يوجد هناك حديقة موحلة صغيرة كما يوجد مواقف السيارات الخاصة بالعاملين في العيادة فقط .
المحقق (جيمس) : من الذين يتواجدون في تلك الحديقة عادةً ؟
الممرضة (ميري) : يوجد حارسين يحرسان بوابتي الحديقة من الخارج أحدهما يراقب الداخلين إليها لأنه لا يسمح بالدخول إلى الحديقة سوى العاملين في العيادة بسبب تواجد سياراتهم ، أما الآخر فهو يراقب الخارجين منه لتأكد من عدم دخول أحد الغير المصرح لهم بذلك ، و أيضاً يتواجد داخل الحديقة عادةً الزارع العجوز (جيمي) إنه مزارع حديقة العيادة .
وقف المحقق (جيمس) من على مقعده و توقف نظراته الحادة على يد الممرضة (ميري) ، ثم عقد حاجبيه و سألها :
_ ما الذي تحمليه في يدك ؟
احتقن وجهها ، و تجمدت الدماء في عروقها قبل أن تجيب بتوتر :
- إنه…إنه مقص لقد أردت إعادته إلى مكتب الدكتور (شارل) لأنني أخذته منه هذا الصباح .
و فجأة سمع المحقق طرقات الباب ، فأذن للطارق بالدخول ، فدخل رجل الشرطة الذي كان يحمل بعض الأوراق و هو يقول :
_ تحياتي سيدي ، هذا التقرير الطبي .
رد عليه الدكتور المحقق (جيمس) :
- لا بأس…ضعها على سطح المكتب و انصرف .
فعل الشرطي ما أمره به المحقق (جيمس) و انصرف . ثم ألقى نظرة على أوراق التقرير التي أكدت أن المقتول قتل بآلة حادة كالسكين أو مقص ، وبعد ذلك ألقى نظرة على (ميري) وقال لها :
_ يمكنك الانصراف و لكن ضعي هذا المقص على الطاولة هنا و نادي على الدكتور (جورج) .
خرجت الممرضة (ميري) بعد أن وضعت المقص على الطاولة ثم نادت على الدكتور (جورج) الذي اتجه بدوره إلى الغرفة ، و بعد دقائق معدودة غادر (جورج) الغرفة ، ودخل بعده مباشرة الدكتور (شارل) الذي وصل منذ قليل ودخل بعده الكثير من الأطباء والممرضات ، و بعد هذا كله خرج المحقق (جيمس) من الغرفة و غادر العيادة و توجه إلى مركز الشرطة ، كما قام بإرسال مقص الذي كانت الممرضة (ميري) تحمله بيدها لفحصه ، و بالفعل تم فحص الجريمة و لم يتم العثور على أي أثر للجريمة كدم أو نحوه وكذلك تم تفتيش الممرضة (ميري) وفحصها و لم يجد المحققون عليها أيضاً أي أثر للجريمة كالدم مما زاد من حيرة المحقق (جيمس) ، ولما شعر الدكتور (جورج) بأن المحقق (جيمس) عاجز عن حل ملابسات جريمة قتل والده اتصل هاتفياً بالمحقق المعروف و المشهور (جيم هدسن) و حدد معه موعد لملاقاته و إخباره عن تفاصيل الجريمة .
* * *
دخل الدكتور (جورج) إلى مقهى موجود على إحدى شوارع العاصمة البريطانية لندن ، وبنظرة متمعنة فحص بها الدكتور (جورج) المقهى ، ثم اتجه إلى إحدى الطاولات الموجدة و التي كان يجلس بجانبها شخص هادئ الملامح بارد الأعصاب ذو نظرات بارة أيضاً كالثلج ، ذلك هو المحقق (جيم هدسن) .
((صباح الخير))
نطق بهذه العبارة الدكتور (جورج) ، و بكل برود الدنيا رد عليه المحقق (جيم هدسن) و هو يحتسي قهوته :
- صباح النور يا دكتور .
رمقه الدكتور (جورج) بنظرة استنكار على رده البارد في هذه الظروف القاسية حيث قتل والده و المجرم مجهول حر طليق حتى الآن و المشتبه بهم كثيرون جداً ، فكل من كان في المستشفى يعتقد أنه القاتل كالممرضة (ميري) و الدكتور (شارل) و المزارع (جيمي) و…إلخ . و أخيراً تكلم الدكتور (جورج) :
- لا بد أنك تعرف لماذا استدعيتك هذا الصباح يا سيد (جيم) ، فالصحف اليومية نقلت مقتل والدي بالتفصيل الممل .
و بنفس البرود رد عليه المحقق (جيم هدسن) :
_ نعم . لقد عرفت كل شيء و أنت الآن تريد مني أن أتحرى عن مقتل والدك المحير في عيادته بعد ظهر يوم الأربعاء . أ ليس كذلك؟
أجابه الدكتور (جورج) :
- بلى . فأنا لم أثق أبداً بذلك المحقق المدعو (جيمس جونسون ) .
سأله المحقق (جيم هدسن) و قد تبدى عليه هذه المرة بعض الانفعال :
- و الآن ، متى تريد مني أن أبدأ التحقيق؟
أجابه الدكتور (جورج) :
- غداً سأطلب من الجميع الاجتماع لكي تقوم أنت بالتحقيق معهم .
نطق المحقق (جيم هدسن) و قد عاد إلى بروده ، كأنه يريد أن يبدأ التحقيق حالاً :
- و ليكن .
* * *
كانت (ميري) موجودة في مكتب الدكتور (شارل) وهي تدور وتحوم داخل المكتب بكل توتر ، و الدكتور (شارل) ينظر إليها بصمت إلى أن نطق :
- لا تقلقي يا (ميري) يبدوا أن المجرم الحقيقي سيظهر و ينال جزاءه العادل
فأنا أعتقد أن أحد أعداء الدكتور (مارك) كان قد تسلل إلى العيادة و قتله وقد أدليت بشكي هذا إلى المحقق (جيمس) .
تكلمت (ميري) في حنق و هي تكاد تبكي :
- لكنه أخذ المقص الذي كان معي و يظن أنني قتلته على الرغم أن المقص لا يحوي على أية آثار للجريمة أو دم الضحية و…قاطعها الدكتور (شارل) :
- ربما أزلت آثار الدم بمنديل أو أي شيء آخر كـ…قاطعته هذه المرة الممرضة (ميري) في غضب شديد و قد احتقن وجهها بالدم :
- ماذا تظن يا أيها الدكتور (شارل)؟هل تعتقد أنني قتلت الدكتور (مارك)؟و لماذا؟
أجابها الدكتور (شارل) :
- اعذريني يا (ميري) فذلك المقص جعلني أظن…قاطعته (ميري) :
- تظن…تظن ماذا؟…أنني القاتلة ، إن القاتل هو المزارع (جيمي) فالآثار الأقدام كلها وحل تشير إلى الحديقة الخلفية للعيادة و التي هي مجرد موقف سيارات الذين يعملون هنا أنت و أنا و الدكتور (جورج) وغيرنا من الأطباء و الممرضات بالإضافة إلى عمال التنظيف ، و طبعاً يستطيع المزارع العجوز (جيمي) الدخول و الخروج كما يحلو له لأن الحارس سيسمح له بذلك فهو يقوم بزرع النباتات و الأزهار في تلك الحديقة الموحلة و لذلك يتجمع الوحل حول قدميه .
وبكل انفعال الدنيا رد عليها الدكتور (شارل) :
- يا إلهي!!!هل أخبرت المحقق بكل هذه المعلومات و الشكوك؟
أجابته :
- لا . و لكنني سأفعل في المرة القادمة .
هتف الدكتور (شارل) :
- رباه . هل تظنين أن هناك مرة قادمة سيأتي فيها ذلك المحقق ليأخذ أقوالنا؟لقد أدلينا بكل ما عندنا .
أجابته (ميري) بصرامة :
- بالتأكيد . و ماذا تظن؟إن القضية لم تنته بعد و مازلنا في البداية .
سرت قشعريرة باردة في أوصال الدكتور (شارل) لسماعه آخر كلمات الممرضة (ميري) ، و كثير من الأسئلة تتبادر في ذهنه
هل حقاً سيعود المحقق لأخذ شهادته ؟
هل سيتم اكتشاف المجرم؟
هل…؟
هل…؟
* * *
((سحقاً ، ماذا يريد منا ذلك الدكتور (جورج) ؟ هل يريد من أن يزيد توترنا بهذا الاجتماع المريب))
نطقت بهذه العبارة الممرضة (ميري) بغضب شديد ، و أجابها الدكتور (شارل) بهز كتفيه مدلياً بأنه لا يعرف شيئاً و لكن قاطعهما سماع صوت فتح الباب الذي عبر منه الدكتور (جورج) و المحقق (جيم هدسن) ، و أشار الدكتور (جورج) إلى المحقق (جيم هدسن) بسبابته و هو يقول :
- أعرفكم بالتحري (جيم هدسن) ، أشهر تحري في المملكة المتحدة ، استدعيته بنفسي ليتولى هذه القضية الشائكة…قضية مقتل والدي الدكتور (مارك) رحمه الله .
سألته الممرضة (ميري) باستهزاء :
- و هل تظن أن هذا التحري سيحقق ما عجز عنه أسلافه؟
علق على كلامها الدكتور (شارل) بقوله :
- أتعشم هذا .
رمقها المحقق (جيم هدسن) بنظرة باردة ثلجية لفترة زمنية وجيزة ، و أخرج غليونه و وضعه في فمه ثم نطق بنفس البرود :
- يا سادة…لا داع لكل هذا التشاؤم فلكل داء دواء كما تقولون أنتم معشر الأطباء ، أما نحن معشر المحققين فنقول لكل لغز حل .
علق الدكتور (شارل) :
- إلا هذا اللغز .
رمقه المحقق (جيم هدسن) بنظرة صارمة ثم استطرد قائلاً :
- كل من أناديه فليتجه إلى الغرفة المجاورة ليدلي بكل ما يعرفه .
و بخطوات بطيئة باردة اتجه المحقق (جيم هدسن) إلى الباب و تمتمت (ميري) بغضب :
- يا لك من مغرور .
و كأنه لم يسمعها تابع خطواته البطيئة إلى الباب و أمسك بمقبض الباب و فتحه ثم هتف :
- الممرضة ( ميري روبن) تعالي إلى الغرفة للإدلاء بشهادتك .
ازدرت (ميري) لعابها و ارتجف جسدها كله عند سماع اسمها و تجمد الدم في عروقها و تصنمت على كرسيها لحظة ، فهي ستواجه للمرة الثانية الأسئلة و الاتهامات ، كما أنها لم تنس ما حدث لها في المرة الماضية كيف تم تفتيشها و كيف تم توجيه أصابع الاتهام إليها ، و لكنها مع ذلك ما لبثت حتى لحقت به .
المحقق (جيم هدسن) : (ميري)!!!أنت أول من شاهد الضحية مقتولة ، فماذا رأيت؟
الممرضة (ميري) : رأيت الدكتور (مارك) ملقياً على الأرض و الدم يسيل من على صدره و وجدت أيضاً أثار أقدام موحلة تتجه مباشرة نحو الباب الخلفي المطل على الحديقة الخلفية الموحلة .
المحقق (جيم هدسن) : و ماذا عن ذلك المقص الذي كان لديك ؟
الممرضة (ميري) : لقد أخذته من غرفة الدكتور (شارل) لأنني كنت محتاجة له و لم يكن لدي مقص و الدكتور (شارل) لديه مجموعة منها فأخذته منه و لو كنت قتلت الدكتور (مارك) به لتلوث بالدم .
المحقق (جيم هدسن) : ربما أزلته آثار الدم بواسطة منديل .
الممرضة (ميري) : لم يكن لدي منديل و هذا ما أثبته المفتش (جيمس) حينما أمر بتفتيشي .
نهض المحقق (جيم هذسن) من على مقعده و قال :
- أكتفي بهذا…استدعي الدكتور (شارل) .
اتجهت (ميري) إلى الباب و خرجت و استدعت الدكتور (شارل) الذي دخل بدوره إلى الغرفة التي يوجد بها المحقق (جيم هدسن) .
تحدث المحقق (جيم هدسن) إلى الدكتور (شارل) قائلاً :
- إن بينك و بين الدكتور (مارك) خلافاً حول العيادة فأنت تريد أن تشتري حصته منها و هو يرفض ذلك . أ ليس كذلك؟
ارتجف الدكتور (شارل) قليلاً و ازدرد لعابه بصعوبة قبل أن يجيب :
- بلى . لكن هذا الخلاف لم يشتد بيننا أبداً لدرجة القتل ، أقسم على ذلك .
المحقق (جيم هدسن) : تأخرت عن المنزل ذلك اليوم عندما قتل الدكتور (مارك) ، فلماذا؟
الدكتور (شارل) : لقد ذهبت إلى مغسلة السيارات لغسل سيارتي .
المحقق (جيم هدسن) : و لكن أنت غير مهتم بنظافة سيارتك كما أنها لم تكن متسخة لدرجة غسلها ،هذا ما يقوله الدكتور (جورج).
الدكتور (شارل) : هذا صحيح ، ولكنني فكرت بغسلها .
وقف المحقق (جيم هدسن) و قال :
- إن كنت قد غسلتها فعلاً فلا بد من وجود أثر غسلها فلم يمض يومان على ذلك . فخذني إليها لأتأكد من ذلك بنفسي .
ذهب المحقق (جيم) و الدكتور (شارل) إلى السيارة التي كانت موجودة في الحديقة الخلفية و لقد كانت مغسولة فعلاً فرجع المحقق (جيم) و قال :
- استدعوا الآن المزارع (جيمي) .
دخل المزارع (جيمي) إلى الغرفة . كان المزارع (جيمي) عجوز ، بطيء الحركة ، ضعيف السمع و البصر .
سأل المحقق (جيم هدسن) :
- حسناً . هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم ؟
أجابه المزارع (جيمي) :
- نعم…ماذا؟…لم أسمع .
رفع المحقق (جيم هدسن) صوته هذه المرة :
- هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم ؟
أجابه المزارع (جيمي) في هدوء :
- أي يوم؟
صاح المحقق (جيم) غاضباً و لأول مرة في حياته :
- أي يوم؟!!!…يوم مقتل الدكتور (شارل) .
أجابه أخيراً :
- آه…لا…لا أتذكر ذلك…و لا أظن ذلك يا سيدي .
المحقق (جيم هدسن) : هل كان يوجد أحد غيرك في الحديقة الخلفية .
المزارع (جيمي) : كلا . فلا يستطيع أحد الدخول إلى هناك لأن الحارس يمنع الدخول لغير الموظفين إلى هذه الحديقة .
المحقق (جيم هدسن) : لماذا لا تتلوث السيارات بالوحل ؟ علماً بأن تلك الحديقة مليئة بالوحل كما هي حال قدميك الآن!!! .
المزارع (جيمي) : إن للسيارات موقف معد لها و الوحل موجود أمام الباب الخلفي .
المحقق (جيم هدسن) : لماذا لم يتم تعديل المنطقة أمام الباب الخلفي للعيادة ؟
المزارع (جيمي) : لأنه للطوارئ فقط فلا يدخل أحد أو يخرج منه .
المحقق (جيم هدسن) نهض من على كرسيه و هو يتأمل قدمي المزارع (جيمي) و هي مملوءة بالوحل ثم أمره بالانصراف و قد خلّف آثاراً تشبه الآثار الموجودة في ساحة الجريمة ، و قد تم استدعاء الحارس الموجود في الحديقة الخلفية الذي يراقب الدخلين إليها و كذلك تم استدعاء الحارس الثاني الذي يراقب السيارات الخارجة من الحديقة ، و من ثم تم استدعاء الأطباء واحداً تلو الآخر . إلى أن جاء الدكتور (جورج) حيث سأله المحقق (جيم هدسن) :
- هل تمتلك خريطة للعيادة؟
تعجب الدكتور (جورج) لسؤال المحقق (جيم هدسن) و أجاب :
- نعم . نحن نمتلك خريطة كاملة للعيادة هنا .
قال المحقق (جيم هدسن) :
- حسناً ، أريدها الآن .
ذهب الدكتور (جورج) الذي اختفى عدة لحظات ثم عاد و بيده أعطى الخريطة للمحقق (جيم هدسن) الذي أخذ بدوره قلماً و وضع الخريطة أمامه و بقلمه رسم عدة أسهم على الخريطة و درس المسافة بين كل نقطة و ظل على تلك الحالة حوالي نصف ساعة ، و بعد ذلك دخل الغرفة المحقق (جيمس) و الدكتور (شارل) و الممرضة (ميري) و معهم بعض رجال الشرطة ، وقطع صمت الغرفة صوت المحقق (جيمس) و هو يقول :
- مرحباً بك يا (جيم هدسن) لا أظنك وجدت وحدك حلاً لهذه القضية ، إنها صعبة جداً .